من أسرار و لطائف فاتحة الكتاب
سورة الفاتحة:”مكية”ويقال ”مدنية”، وهي سبع آيات
إلا أن المكي والكوفي عدّا التسمية آية دون أنعمت
عليهم ومذهب المدني والبصري والشامي بالعكس
كلماتها :خمس وعشرون
حروفها : مائة وثلاثة وعشرون
قوله سبحانه {الْحَمْد لِلَّهِ}
1- لما افتتح سبحانه كتابه بالبسملة و هي نوع من الحمد ناسب أن يردفها بالحمد الكلي الجامع لجميع أفراده – البالغ أقصى درجات الكمال - .
2- عبر في الآية بالحمد و لم يعبر بالمدح لأن الحمد غير المدح – عند الجمهور – للأمور الآتية :
أ- الحمد يختص بالثناء على الفعل الاختياري و لذوي العلم ، و المدح يكون في الاختياري و غيره لذوي العلم و غيرهم .
ب- الحمد يشترط صدوره عن علم لا ظن ، و المدح قد يكون عن ظن .
ت- الحمد يشترط فيه أن تكون الصفات المحمودة صفات كمال ، و المدح يكون على الصفة المستحسنة و إن كان فيها نقص ما .
ث- في الحمد من التعظيم و الفخامة ما ليس في المدح ، و هو أخص بالعقلاء و العظماء و أكثر ما يطلق على الله – جل و علا –
ج- الحمد إخبار عن محاسن الغير يتضمن الإنشاء-كما سيأتي - ، و المدح خبر محض .
ح- الحمد مأمور به مطلقا (ذكر بعضهم – الألوسي – حديثا : " من لم يحمد الناس لم يحمد الله"و لم أعثر عليه بهذا اللفظ ) و المدح ليس كذلك لحديث" احثوا في وجوه المداحين التراب " أخرجه أحمد و له طرق .
3- و الألف و اللام في الحمد لاستغراق جميع المحامد و في الحديث : "اللهم لك الحمد كله و لك الملك كله"أخرجه أحمد و غيره .
4
- و اللام في لله للاستحقاق و للاختصاص .
5- و جملة {الْحَمْد لِلَّهِ} هل هي خبرية أم إنشائية ؟
قولان :
1/الأول :أنها خبر و اختلف القائلون بذلك إلى مذهبين:
1-1المذهب الأول : أنها خبر باق على الخبرية و لا إشعار فيه بالإنشائية .
· و أورد عليه بأن المتكلم لا يكون حامدا مع أن القصد أن يكون مثنيا و حامدا لله .
· و أجيب :
أ-بأن في ثبوت الخبر اعتراف بأنه موصوف بالجميل – و الحمد هو عين الوصف بالجميل – و يكفي أن يحصل الوصف .
ب- و أيضا : المخبر داخل في عموم خبره عند جمهور الأصوليين .
ت-و أيضا : كون المتكلم حامدا يحصل بالالتزام العرفي فاعترافه بحمد الناس و المخلوقات له يلزم منه أن يقتدي بهم .
*و يرد عليه : أن حمد المتكلم لا يكون مقصودا أصالة بل بالتبع مع أن المقام مقام حمد المتكلم لا غيره من الناس .
*و أجيب : بأن المعنى المطابقي قد يؤتى به لأجل المعنى الالتزامي لأنه وسيلة له . و منه قولهم طويل النجاد أي طويل القامة .
1-2 : المذهب الثاني : أنها خبر أريد منه الإنشاء مع اعتبارالخبرية كما يراد من الخبر إنشاء التحسر في مثل قوله تعالى إني وضعتها أنثى
2/ القول الثاني : أنها إنشاء محض لا إشعار له بالخبرية على أنها صيغة من الصيغ التي نقلتها العرب من الإخبار إلى إنشاء الثناء كما نقلت العرب صيغ العقود و أفعال المدح و الذم مع عدم إماتة المعنى الخبري في الاستعمال فقد تقول الحمد لله جوابا لمن سأل لمن الحمد ؟
6- و قوله {الْحَمْد لِلَّهِ} حمد سبحانه نفسه و أثنى عليها ثم علم ذلك عباده و فرض عليهم تلاوته اختبارا منه لهم و ابتلاء فقال لهم قولوا{الْحَمْد لِلَّهِ رب العالمين...} و دليل قولوا أن العرب من شأنها إذا عرفت مكان الكلمة و لم تشك أن سامعها يعرفها بما أظهرت من منطقها حذفت حذف ما كفى منه الظاهر من منطقها لا سيما إذا كانت تلك الكلمة التي حذفت قولا أو تأويل قول .
و منه قول الشاعر :
و رأيت زوجك في الوغى**متقلدا سيفا و رمحا .
و منه أيضا قولهم للمسافر ‘مصاحبا معافى’ يحذفون سر .
و ذلك لما علم من قوله إياك نعبد و إياك نستعين من معنى أمر عباده أغنت دلالة ما ظهر عليه من القول عن إبداء ما حذف .
و قد روي عن ابن عباس أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه و سلم : "قل يا محمد الحمد لله رب العالمين".
يتبع